
بقلم الكاتب صالح برمة علي

إن الطلاق والنفقة والسكنى هي من القضايا التي تعنى بحقوق الزوجة في الإسلام، وقد جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أوامر وتوجيهات واضحة تبين حقوق المرأة وواجبات الرجل. وفي هذا المقال، نتناول هذه المواضيع في ضوء الشريعة الإسلامية،مع إشارات سريعة إلى ما جاء عن ذلك في الشرائع الأخرى السماوية.
- الطلاق في الإسلام:
الطلاق في الإسلام هو حل عقد النكاح، وقد أقره الإسلام كحل نهائي في حالات الضرورة. ولكنه ليس أمرًا مستحبًا بل هو “أبغض الحلال إلى الله”. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229)
وهذا يعني أن الطلاق يجب أن يتم في إطار من المعاملة الحسنة، و يجب على الزوج ألا يطلق إلا إذا كانت العلاقة قد استنفدت جميع الوسائل الممكنة للإصلاح.
وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
“أبغض الحلال إلى الله الطلاق.” (رواه أبو داود).
- النفقة في الإسلام:
أما النفقة فهي ما يلزم الزوج من مال للمرأة التي هي في عصمته، وهي واجبة عليه في الإسلام ما دامت الزوجة في علاقة شرعية معه. قال الله تعالى:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 233)
أي أن النفقة تشمل الطعام والملبس، ويجب أن تكون بالنفقات المناسبة لحالة الزوجة وحسب قدرة الزوج.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إنَّكُم سَتَرُونَ ما تَسْتَحِقُّونَ مِنَ النَّفَقَاتِ.” (صحيح مسلم).
هذا يشير إلى حقوق المرأة في النفقة على أساس القدرة المالية للزوج. - السكنى في الإسلام:
أمالسكنى فهي توفير مكان إقامة للزوجة بما يتناسب مع مكانتها الاجتماعية والمالية، وهي من حقوق الزوجة على زوجها. قال الله تعالى:
{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} (الطلاق: 6).
ويجب أن يكون السكن بما يعين الزوجة على الحياة الكريمة ويؤمن لها الراحة النفسية والجسدية. كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة توفير المسكن للمرأة فقال:
“استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوانٍ عندكم.” (رواه مسلم). - العصمة عند الرجل:
من المعلوم في الإسلام أن العصمة في الزواج هي بيد الرجل، أي أنه هو من يملك حق الطلاق. والسبب في ذلك هو أن الرجل هو الذي يتحمل مسؤولية توفير النفقة والسكن والحقوق الأخرى، كما أنه مسؤول عن الأسرة ومصالحها.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34).
وفي هذه الآية الكريمة، يتضح أن القوامة تعني المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرارات الهامة، بما في ذلك الطلاق، التي لها آثار كبيرة على حياة الأسرة.
- الطلاق والنفقة والسكنى في الأديان الأخرى:
أما بالنسبة للعقائد الأخرى مثل المسيحية، فإن الإنجيل أيضًا يعترف بحق الزوجة في أن تعيش حياة كريمة. وفيما يتعلق بالطلاق، جاء في الكتاب المقدس:
“لِذَارِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ فَيَصِيرُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.” (متى 19: 5).
ولكن في بعض الحالات، يُسمح بالطلاق في المسيحية بناءً على الخيانة أو الظلم الواضح.
- نقد للسياسيين:
الحديث عن العصمة عند الرجل يجب أن ينأى عن التفسيرات السطحية التي قد يحاول البعض إعطاءها. إن الذين يتحدثون عن أمور الشريعة الإسلامية بعيدًا عن فقهها الصحيح، مثل بعض السياسيين المراهقين الذين لا يفقهون شيئًا سوى الصور وعروض الأزياء، ليس لديهم من العلم ما يكفي لتفسير القضايا الدينية والشرعية. علينا أن نترك هؤلاء لتوجهاتهم التي لا تستند إلى أسس علمية صحيحة.
إن الطلاق والنفقة والسكنى هي حقوق شرعية لا يمكن التلاعب بها أو التهاون في فهمها. يجب أن نتبعها وفقًا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، بعيدا عن التجاذبات السياسية والمفاهيم الخاطئة. والله من وراء القصد.
- وتجب الإشارة إلى إن الطلاق
يعد من أبغض الحلال إلى الله، وقد وضع الإسلام له ضوابط دقيقة تحافظ على حقوق جميع الأطراف، خاصة المرأة والأبناء. مع ذلك، يروج البعض لمفاهيم مغلوطة حول الطلاق، تتعلق بالحقوق التي يكتسبها الرجل والمرأة بعد الطلاق، ومنها ما يُقال عن حق المرأة في السكن في منزل الزوجية حتى بعد الطلاق، وذلك فيما إذا كان للرجل زوجات أخرى. لكن هذه المفاهيم ما هي إلا خرافات تروجها أهواء وأفهام خاطئة، فيجب على علماء الدين الإسلامي أن يعملوا جاهدين على تصحيحها وتوضيحها بناءً على فقه صحيح وعقيدة سليمة.
الطلاق في الإسلام: فقهٌ واضح وضوابط محكمة
عند الحديث عن الطلاق في الإسلام، يجب أن نتذكر أن الشريعة قد وضعت قوانين وأحكامًا دقيقة لحماية حقوق الزوجين، وفي مقدمتها حق المرأة في النفقة والسكن والحقوق الأخرى التي تكفل لها حياة كريمة بعد الطلاق. لكن الأمر لا يتوقف عند مجرد حقوق، بل يشمل أيضًا واجبات يتعين على الزوجين الالتزام بها حتى في حالة الطلاق.
أما فيما يتعلق بالسكن بعد الطلاق، فالشريعة الإسلامية تؤكد أنه يجب على الرجل أن يوفر للمرأة السكن أثناء فترة العدة، كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ولَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (الطلاق: 1).
لكن بعد انقضاء العدة، يصبح من حق الرجل أن يعود إلى حياته الشخصية، ويُفترض على المرأة أن تبحث عن سكن مستقل أو تتجه إلى مكان آخر للإقامة يتفق مع وضعها الجديد.
خرافة “ترك الرجل للمرأة البيت”
في العديد من الأحيان، يتداول البعض فكرة خاطئة مفادها أن الرجل يجب أن يترك بيت الزوجية للمرأة بعد الطلاق، حتى وإن كان له زوجات أخرى. هذه الفكرة لا أساس لها في الشريعة الإسلامية، بل هي مجرد خرافة لا تتوافق مع النصوص الشرعية.
الشرع واضح في مسألة حقوق السكن للمرأة بعد الطلاق: إذا كانت المرأة قد انتهت عدتها، فإنها لا تملك الحق في السكن في بيت الزوجية بعد الطلاق، حتى وإن كانت الأم لأولادها. أما الزوج، فله الحق في التصرف في ملكه كما يشاء، بما في ذلك استئجار أو بيع البيت.
ضرورة تدريس الفقه والعقيدة الصحيحة
إن ما نشهده من انتشار بعض المفاهيم الخاطئة حول الطلاق وحقوق المرأة بعده هو نتيجة غياب الفقه الصحيح في أذهان الكثيرين. يجب على علماء الدين الإسلامي أن يتخذوا خطوات جادة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة. إذ أن تدريس الفقه والعقيدة الإسلامية الصحيحة في كافة المؤسسات التعليمية والدينية هو من أهم الطرق لنبذ هذه الخرافات والأفكار المغلوطة.
إن العقيدة الإسلامية الصحيحة تستند إلى فقه شامل يعتمد على النصوص الشرعية والوقائع التاريخية، وليس على الآراء الشخصية أو الأهواء الذاتية. ونحن في عصرنا اليوم بحاجة ماسة إلى إحياء الفقه الحقيقي، الذي يعكس مرونة الشريعة الإسلامية ويسهم في تقديم حلول عملية للمشكلات الاجتماعية التي قد يواجهها المسلمون.
توجيهات للرجال والنساء على حد سواء
علينا أن نعيد التأكيد على حقيقة أن الطلاق ليس نهاية المطاف، بل هو حل ،فيجب أن يكون بآداب وأحكام واضحة، بعيدًا عن الأفكار الخاطئة. كما يجب على الرجال أن يتعاملوا مع الطلاق وفقًا لحدود الشرع، وأن يتجنبوا تسليم الأمور لأهوائهم الشخصية. وعلى النساء أيضًا أن يعين أنفسهن على معرفة حقوقهن وواجباتهن بعد الطلاق، لا سيما في ما يتعلق بالحقوق المالية والسكن.
الطلاق ليس قضية طارئة أو عابرة، بل هو موضوع عميق يشتمل على حقوق وواجبات تتطلب دراية صحيحة وفقًا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. يجب أن نتعلم ونفهم أصول الشريعة الإسلامية بعيدًا عن الآراء الشخصية أو التقليدية التي تروج للأوهام. لا يمكن أن نسمح لهذه الخرافات أن تأخذ مكانًا في حياتنا الدينية والاجتماعية، بل ينبغي على علماء الدين أن يواصلوا جهودهم في تصحيح المفاهيم والعودة إلى الفقه السليم الذي يضمن الحقوق ويمنع الظلم.
وفي النهاية، نسأل الله أن يوفقنا جميعًا للتمسك بالعلم الصحيح والالتزام بتعاليم ديننا الحنيف.