بقلم الاعلامي الضواي حمدان اللابي
في عمق القرى البعيدة حيث تتراجع مظاهر التنمية وتتلاشى الخدمات الأساسية، تخوض المرأة الريفية معركتها اليومية مع الفقر بصمت يشبه البطولات التي لا تجد طريقها إلى الضوء. فهي المرأة الحديدية التي لا تعرف الاستسلام، والمكافحة التي ورثت صبر الأرض وصلابتها، تعمل في صمت، وتقاوم في صمت، وتنتصر في صمت.
فالمرأة الريفية في كثير من المناطق لم تتعرّف قط على أبسط مقومات الحياة الحديثة؛ مياه الشرب النظيفة بالنسبة لها ليست حقًا مسلّمًا به، بل رحلة مرهقة تمتد لعشرات الكيلومترات في الصباح الباكر، تحمل على رأسها الجرار الثقيلة، لتلبي حاجة الأسرة من الماء. وفي غياب المراكز الصحية والمستشفيات، تعتمد على العلاج التقليدي المستمد من خبرات الأجيال؛ من القرظ والعرديب والهجليج وسواها من النباتات البرية التي تحولت إلى صيدلية مفتوحة في ظل غياب الرعاية الطبية.
كما تخوض هذه المرأة معتركًا آخر لا يقل صعوبة، وهو البحث اليومي عن الحطب لمسافات طويلة من أجل الطهي، في ظل عدم وجود بدائل للطاقة. ومع ذلك، لا تتذمر ولا تتوقف ولا تنتظر معجزة، بل تعود إلى بيتها في آخر النهار محمّلة بالحطب ومتعبة الجسد، لكنها ثابتة العزيمة.
وتظلّ المرأة الريفية نموذجًا ملهمًا في الصبر والكفاح؛ فهي عماد البيت، ورافعة الحقل، ودرع الأسرة الأول في مواجهة الفقر والجفاف والحرمان. تعمل دون كلل أو ملل، وتزرع الأمل في الأرض كما تزرعه في قلوب أطفالها، على الرغم من الظروف التي تُرهق الجبال.
إنّ يوميات هذه المرأة ليست مجرد تفاصيل عادية، بل صفحات من الصمود الإنساني الذي يستحق الاعتراف والتقدير. فالمرأة الريفية، رغم غياب حقوقها وضعف تمثيلها، تبقى ركيزة أساسية في المجتمع، وقصة نضال لا تزال تنتظر من يرويها بإنصاف.
في نهاية المطاف، تبقى معاناة المرأة الريفية مرآة صادقة لواقع تنموي مختلّ، وصرخة مكتومة في وجه التجاهل والإهمال. ومع كل صباح جديد، تثبت هذه المرأة أن الصمود ليس مجرد موقف؛ بل أسلوب حياة تُخاض فيه معارك غير مرئية ضد الفقر، والعزلة، وغياب الخدمات. إنها لا تطالب بالمستحيل، بل بأبسط الحقوق التي تُعيد لإنسانيتها مكانها الطبيعي: ماء نظيف، وعلاج كريم، ومدرسة لأطفالها، وفرصة عادلة للعيش بكرامة. وحتى يتحقق ذلك، ستظل المرأة الريفية تمشي بثبات فوق طرقات التعب، تحمل على كتفيها وطنًا بأكمله، وتخطّ بعرقها حكاية نضال تستحق أن تُروى، وأن تُحترم، وأن تتحوّل إلى التزام حقيقي بتغيير وجه الحياة في الريف.







